الاثنين، 27 أبريل 2015

الازدحام المروري

بذلت جهود كبيرة في جانب العرض بزيادة الطاقة الاستيعابية للطرق دون النظر في سياسات خفض الطلب عليها وتقليل عدد مستخدميها خاصة في اوقات الذروة. هـذا الوضع لا يعالج المشكلة بل على العكس تماما سـاهم فـي تفاقمهـا! اذ ان زيـادة الطاقـة الاستيعابية للطرق يشجع على استخدامها وعامل جذب في زيادة الطلب عليهـا، اذ نجـد ان معدل تزايد استخدام الطريق يفوق معدل نسبة توسعته في معظـم الاحـوال.  ، ففي كل مرة تحاول الدولة زيادة الطاقة الاسـتيعابية للطـرق نجـدها وقـد امـتلأت بالمركبات عما كان سابقا! لقد اصبح المرور أشبه ما يكون بالماء او الهواء يبحـث عـن اي فراغ ليملؤه ! ان ما نعمله من توسعة للشوارع هو دعوة صريحة ومفتوحة ومشجعة للنـاس لاستخدام الطريق بسياراتهم الخاصة وبشكل مكثف، ودون الموازنة بـين العـرض والطلـب ستظل المشكلة تتفاقم وسنظل نتحدث عن الازدحام المروري الى ابد الدهر.
ان الموازنة بين العرض والطلب تقتضي وجود استراتيجية للمرور تنسق بـين جهـود عـدة اجهزة حكومية تتداخل في تقديم الخدمات وتنظيم الطرق، اذ ان واقع الامر يشير الى ان هناك تشرذما في سياسات هذه الاجهزة حتى لتكاد كل سياسة تتعارض مع الاخرى. علـى سـبيل المثال هناك جهود تبذل لتشجيع استخدام
النقل الجماعي وفي ذات الوقت هناك توجـه نحـو توسعة الطرق وهي دعوة ضمنية لاستخدام السيارات الخاصة . ولذا فان تحسين النقل العام يكاد يكون العامل الاكثر اهمية في معالجة مشكلة الازدحام المروري على المدى الطويل. وهنـا نقطـة
على درجة عالية من الاهمية وهي اذا ما اريد للناس التحول الى استخدام النقل العام والتقليـل من مشكلة الازدحام المروري فيتوجب ايجاد وسائل نقل عام مرتفعة المسـتوى ذات جـودة عالية مثل قطارات الأنفاق ،لذلك أعتقد أنه يجب أن يكون مترو دبي في كل أنحاء الدولة وليس دبي فحسب, كما يتطلب الأمر إعادة تثقيف وتعديل في السلوك العام وهـذا لا يتأتى الا بقرارات جريئة وأنظمة صارمة وتوجهات جادة تضع الخيـارات الصـحيحة امـام مستخدمي الطرق داخل المدينة .

هذه الخيارات تكون مبنية على تحمل الفـرق بـين التكلفـة الاجتماعية والتكلفة الخاصة. فحين يهم احدهم الدخول بسيارته إلى طريق مزدحم  فإنه يقرر الدخول اعتمادا على حساب تكلفته الخاصة ومتوسط زمن التأخير وليس ما يسببه من تأخير للآخرين يفوق الذين سبقوه في الدخول وهذا بطبيعة الحال له تبعات اقتصادية وبيئية لا يأخذها الأفراد بالحسبان. من هنا كـان لزامـاً تضـمين هـذه التكـاليف الاجتماعية في قرارات الأفراد من خلال فرض رسوم على اسـتخدام الطـرق المختصـرة السريعة داخل المدينة. وبذلك يتم التأكد من ان مستخدمي الطريق في وقت ما هم فقط النـاس الذين يهمهم الوصول في الوقت المحدد ويمثل الوقت لهم قيمة عالية. ان ما يتم هنا هو تحويل قيمة الانتظار والتأخير الى قيمة نقدية يدفعها من يحرص على الوصول في الوقـت المحـدد، فكأنما رجال الاعمال واصحاب المناصب الهامة يقولون للناس الاخرين الذين لا يعنيهم الوقت كثيرا (نسبياً) باننا سندفع نظير عدم استخدامكم للطريق في فترة معينـة. وعلـى ان فـرض الرسوم وتشجيع استخدام النقل الجماعي تعتبر أحد أهم وسائل تنظيم استخدام الطريق والتقليل من الازدحام الا ان هناك الكثير من السياسات و الخطط الاخرى التي يمكـن ان تسـهم فـي معالجة المشكلة مثل وضع مواعيد مختلفة في بداية الدوام بين المدارس والدوائر الحكومية، كما أن تشجيع الركـوب الجماعي في السيارات الخاصة سيساهم بالتأكيد من التقليل من هذه المشكلة.